الاثنين، 26 مارس 2012

الفصل العشرون: العودة الى التنظيم

في الايام الخمس التي تلت، تعمد عمر ان يلازم البيت معظم الوقت بعد العودة من المدرسة، كما تعمد ان لا يلتقي بشعبان قبل اسبوع على الاقل من تسليمه التقرير.. ومن جانبه تعمد شعبان ايضاً ان لا يلتقيه قبل استلامه معلومات جديدة من ابوالنمر بشأن الخطوة التالية مع عمر، واثناء ذلك، ظل عمر منهمكا في التدرب على دليل "الشيفرة" المصغر الذي اعطاه اياه فارس حتى اتقنه.

وفي اليوم الاخير، ظهر نجم سهيل لامعاً في السماء، وبدأت حرارة "آب اللهاب" في الانكسار، واعتدل الجو، وبدأت رؤوس "الكماة" التي يسميها القريون بـ"الفقع" تنبت حول سيقان الاشجار الطالعة من التربة الحمراء فوّاحة برائحتها كلما هطلت زخات متقطعة من المطر الخفيف.

لكن عمر انتابه صبيحة ذلك اليوم الرائع شعور مزدوج من القلق والخوف وهو يسمع بوق سيارة شعبان التي توقفت امام المنزل.. فقد حان وقت الحسم، وليس امامه الا ان يكمل المشوار ايا كانت النتيجة.

بيد انه ما ان جلس في السيارة الى جوار شعبان حتى بدأ شعوره بالقلق يتبدد تدريجيا، فقد شعر بان الجو معتدل الى حد ما ايضاً في السيارة وذلك من ابتسامة الترحيب التي قابله بها شعبان، وسؤاله لعمر بان يختار الوجهة التي يريد في ذلك "المشوار" لان الكلام قد يطول..

وبلهفة المترقب سأل عمر:

·       هل وصل التقرير الى ابوالنمر؟

ورد شعبان مبتسما:

·       وكان سعيدا به للغاية.

ومرة اخرى راح عمر يحاول كتم الشعور الغامر بالنصر الذي سرى في كيانه بالتخفي وراء قناع من الخوف مما قد يحدث له لو علم التنظيم بامر التقرير.. وراح في محاولة تضليلية يتوسل الى شعبان ان لا يعرف احد غيره بالموضوع، وان لا تبدر منه اية اشارة تدل على انه كان مصدر المعلومات .. مكرراً أمامه اكثر من مرة ان بعض هذه المعلومات لا يعلم بها احد آخر غيره وفارس.. وبالتالي لن يكون صعباً على فارس وعلى التنظيم ان يكتشفوا أمره على الفور. فيعدمونه..

ووافقه شعبان على هذا الحرص ملمحاً الى الخطوة التالية المطلوبة من عمر قائلاً:

-       وهذا ما يريده ابوالنمر ايضاً..

وقبل ان يسأله عمر عما يريده ابوالنمر الآن رد شعبان:

·       مهمتك ان تعود الى التنظيم مجدداً، وسوف نساعدك على ذلك.

وحاول عمر ان يترجم ما سمعه للتو من شعبان الى لغة يفهمها، فرد متسائلا:

·       لم افهم ما تعني؟ كيف اعود للتنظيم وانا مفصول منه؟ وكيف تسطيع مساعدتي في ذلك؟

وكان الجواب جاهزاً عند شعبان:

·       مسألة فصلك غير واضحة الاسباب حتى الآن.. ونحن من باب الضغط سنخترع سببا يحرج التنظيم .. فاما ان يصدروا بياناً جديداً يوضح السبب الحقيقي لفصلك بعد ذلك، ولا اظن انهم سيفعلوا، واما ان نجبرهم على اعادة النظر ليتراجعوا عن بيان الفصل ويقدموا لك اعتذارا يعيد لك اعتبارك بعد سجنك وعدم اعترافك عن شيء يضر بالتنظيم. وفي كلتا الحالتين نريد التركيز على فارس ومجموعته.

ورد عمر:

·       ولكن هذه الخطة قد لا تنطلي على التنظيم، ومع اني ما زلت اعتقد بان في الامر ضغينة ما، لكني اعتقد بان فارس قد لا يقف الى جانبي ابداً كي لا يحسب ذلك عليه.

-       ولكنه كان مسئولك المباشر في التنظيم.

·       صحيح.. ولكنه هو الذي وقع البيان كقائد ميداني للتنظيم.

ورد شعبان:

·       عموماً، هو ذا ما يريده ابوالنمر.. والمهم الآن.. هل زارك أحد من التنظيم بعد خروجك من السجن؟

وتريث عمر قليلا وهو يفكر في الاجابة بينما كان يظهر نفسه كمن يستذكر، ثم قال:

-       ليس بالتحديد.. ولكن زوجة فارس حضرت للتهنئة مع اولادها في اليوم الثاني لخروجي من السجن وجلست مع والدتي.

وتابع شعبان:

·       وهل تحدثت معك او سألتك عن شيء ما؟

وعاد عمر للتفكير موحياً بانه ما زال يستذكر ثم قال:

-       سلمت علي فقط.. وسألت اسئلة عادية..

·       مثل ماذا؟

ورد عمر:

-       لا اتذكر.. لكنها سألت ان كانوا سألوني عن فارس، واجبتها بالنفي.

ورد شعبان:

·       عظيم.. ربما نستفيد من زوجة فارس لاعادتك الى التنظيم.

ورد عمر مستفسرا:

-       كيف.. انها امرأة قوية، حتى "الشاباك" لم يفلح معها.. وانت تعرف ذلك.

ورد شعبان:

·       لن يكون الامر على هذا النحو..

-       وما قصدك؟

ورد شعبان:

·       اريدك ان تبلغها شخصياً بانك اضطررت للكذب بشان سؤالها عن فارس خوفاً من تناثر الكلام أمام الاهل.. ولكنهم سألوا عن أمور مهمة جداً.. وانك تريد ان ترى فارس باسرع وقت لابلاغه بالتفاصيل.

ورد عمر:

·       وماذا لو صدقتني وسألتني عن هذا الامر ثم قالت انها قد توصله له من دون حاجتي كي اراه؟

ورد عليه شعبان:

-       قل لها ان الامر خطير جداً..وانك تريد ان ترى فارس باسرع وقت لان الموضوع يتعلق بحياته شخصياً وبمصير بكل التنظيم، وانك لا تستطيع اخبارها بمثل هذه الاسرار..وهددها بانها ستتحمل المسئولية ان لم تفعل ذلك.. واتركها.

ورد عمر:

-       حسناُ.. وإن تحقق اللقاء، فما هو ذلك الامر المهم جداً والخطير؟

ورد شعبان:

·       اذا تحقق اللقاء .. عليك ان تحاول استعادة ثقته فيك، وتخبره انهم رغم ما فعلوه الا انك ظللت طوال فترة التحقيق ملتزماً بتعليمات التنظيم ولم تعترف عن اي احد ممن سألوك عنهم او عن نشاطاتهم.. وبانهم سألوك عن معلومات دقيقة واسماء حقيقية ومواقع سرية يعرفونها يتواجد فيها المطاردين، وبانك ستقدم له تقريرا بذلك بداعي الواجب والانتماء الصادق للتنظيم.. ثم تلفق له حكاية من لقائك بابو النمر.. وبانه اخبرك مثلا بان المخابرات تعرف الاماكن التي يتنقل فيها فارس الان.. واسماء من يرافقه من المطاردين.. وان الجميع تحت المراقبة والرصد .. وانها مسألة وقت لا اكثر لكي يوقعوا به اما اعتقالا او اغتيالا.. وانك حسبما فهمت اثناء التحقيق، فان هناك عملاء مدسوسين في التنظيم، وقد يكونون قريبين من فارس.. وان عليه توخي الحذر بناء على هذه المعلومات.

ورغم ان عمر كان مصغياً بكلتي اذنيه لما كان يقوله شعبان، لكنه كان يفكر باجابة تعزز ثقة شعبان به كمنفذ لاوامره، ثم قال كمن يبدي اعتراضاً على عدم نجاعة هذه المحاولة:

·       واين الامر الخطير في هذا؟ واين مبرر تعزيز الثقة؟ فأي شخص يمكن ان ينسج قصة خيالية أفضل من هذه.. لكن ان كانت هناك معلومات قيمة وملموسة فعلا فلربما يصغي لكل ما سيسمعه مني حينئذ.

ورد عليه شعبان:

-       صحيح.. لكنك انت الذي كنت سابقا في التنظيم، وحتما ستجد معلومة مهمة تبني عليها الحكاية ليصدقها فارس.

وحاول عمر تكرار المحاولة من جديد:

·       كل ما اعرفه كتبته في التقرير.. هل قرأته؟

ورد شعبان:

-       تصفحته طبعا للاطلاع قبل ان اوصله الى ابوالنمر. ولكني اريد شيئا لا يعرفه الا فارس وعدد قليل ممن يعرفهم كي يثار الشك في ان هناك جاسوسا بينهم ، وان هذا المندس هو الذي قدم هذه المعلومات الى ابوالنمر.

واجابه عمر:

·       يحتاج الامر الى تفكير..

ورد شعبان:

-       لا يحتاج الى تفكير.. سوف اعطيك معلومة مهمة

ونظر عمر نحوه منتظراً ما سيقول:

·       هل تذكر يوم اعتقال المطارد اياد؟

ورد عمر:

-       نعم.. ولكن ما علاقة فارس بالامر؟

واجابه شعبان:

·       يومها دخل فارس وإاد وخمسة آخرين من المطاردين القرية، وكنت انا ومجموعة نراقبهم، وعندما جاءت قوات الجيش لاعتقالهم فر الجميع الا إياد الذي كان يستحم، ولم يسعفه ضيق الوقت في الهروب.

ورد عمر:

-       حسنا.. وما الذي ساقوله عن هذه الحادثة؟

وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي شعبان ثم قال:

·       تقول لفارس ان ابوالنمر ذكر امامك هذه الواقعة، وقال انها كانت مجرد ثوان فقط وإلا لكان خمسة آخرين قد اعتقلوا مع اياد.

ورد عمر متذاكياً امام شعبان:

-       واترك له امر الشخص السادس مبهماً كي يفكر فيمن قد يكون هو الذي ابلغ عن وصول افراد المجموعة في ذلك الوقت الى القرية.

ورد شعبان مؤيدا:

·       بالضبط

واجابه عمر:

-       تبدو الحبكة واقعية أكثر، وكي اكسب ثقته سابلغه باني ساتولى التحري عن بقية افراد المجموعة واحداً واحداً بطريقتي، وان اطلعه على ما احصل عليه من معلومات اولاً بأول... هل هذا ما ترمي اليه؟

ورد شعبان وهو ينظر معجباً لما قاله عمر:

·       جميل جداً.. طريقتك في التفكير السريع تعجبني. وبهذا الطريقة تتقرب اكثر من فارس، وتعود للتنظيم عن طريقه.

وهز عمر رأسه موافقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق